الصدام القاتل   بين روسيا وأمريكا

الصدام القاتل   بين روسيا وأمريكا

كتب ثروت عاطف

.   تعتبر العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا من أكثر العلاقات تعقيدًا وتشابكًا على الساحة الدولية، وتتأرجح بين التعاون والتنافس وحتى العداء، وتتداخل فيها المصالح الاستراتيجية والأمنية والاقتصاديةو يمر تاريخ هذه العلاقة بمراحل مختلفة، من التحالفات إلى الحرب الباردة، وصولاً الى إلى التوترات الحالية في الفترة المبكرة (قبل الاتحاد السوفيتي): بدأت العلاقات الرسمية بين الإمبراطورية الروسية والولايات المتحدة عام 1776. وعلى الرغم من حياد روسيا الرسمي أثناء الثورة الأمريكية، إلا أنها كانت تميل نحو دعم الولايات المتحدة. شهدت هذه الفترة تبادلاً تجاريًا وبعض التعاون، أبرزها بيع ألاسكا من روسيا إلى أن الولايات المتحدة في عام 1867. الحرب الباردة (1947-1991) بدأت بعد الحرب العالمية الثانية، تحولت العلاقة إلى عداء وتنافس أيديولوجي وعسكري وسياسي، عُرف بـ "الحرب الباردة". تميزت هذه الفترة بسباق التسلح، والصراعات بالوكالة في مناطق مختلفة من العالم، وتشكيل تحالفات عسكرية متنافسة (الناتو وحلف وارسو). على الرغم من التوترات، استمرت قنوات الاتصال من خلال التبادلات الثقافية والعلمية واتفاقيات الحد من التسلح.
 بعد انهيار الاتحاد السوفيتي (1991-أوائل الألفية الثالثة):و بعد تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991، شهدت العلاقات فترة من "إعادة الضبط" حيث سعت الولايات المتحدة لتعزيز التعاون مع روسيا الجديدة في مجالات مثل مكافحة الإرهاب، ونزع السلاح، والاستقرار الإقليمي. ومع ذلك، بدأت التوترات بالظهور مجددًا مع تزايد شعور روسيا بأن مصالحها لا تُؤخذ في الاعتبار، خاصة مع توسع حلف الناتو شرقاً.
التوترات الحالية والعوامل المؤثرة:
شهدت العلاقات تدهورًا حادًا في السنوات أخيرة، خاصة بعد أحداث
 ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014: أدى هذا الحدث إلى فرض عقوبات غربية واسعة النطاق على روسيا، وتدهور كبير في العلاقات.
 التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية (ادعاءات)أثرت هذه الادعاءات بشكل كبير على الثقة بين البلدين.
 التدخل العسكري الروسي في سوريا: زاد من تعقيد المشهد الجيوسياسي وتضارب المصالح بين واشنطن وموسكو.
 الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في فبراير 2022: كان هذا الحدث نقطة تحول كبرى، حيث فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها عقوبات اقتصادية غير مسبوقة على روسيا، وقدمت دعمًا عسكريًا واقتصاديًا كبيرًا لأوكرانيا. أدت هذه الأزمة إلى تزايد حدة التوترات الدبلوماسية والعسكرية، ورفع مستوى المخاطر الجيوسياسية.
العوامل المؤثرة الرئيسية في العلاقة
 المصالح الاستراتيجية والأمنية المتضاربة: خاصة فيما يتعلق بأوروبا الشرقية، وحلف الناتو، ومناطق النفوذ.
 الاختلافات الأيديولوجية والسياسية: بين النظام الديمقراطي الليبرالي في الولايات المتحدة والنظام الرئاسي المركزي في روسيا.
 قضايا الأمن السيبراني والتدخل في الشؤون الداخلية.
 سباق التسلح وتطوير التكنولوجيات العسكرية الجديدة.
 الصراعات الإقليمية: مثل سوريا والشرق الأوسط، حيث تتنافس واشنطن وموسكو على النفوذ.
 العقوبات الاقتصادية: التي تفرضها الولايات المتحدة وحلفاؤها على روسيا.
الآفاق المستقبلية:
تتسم آفاق العلاقات الأمريكية الروسية بالتعقيد وعدم اليقين. على الرغم من أن هناك بعض المؤشرات على محاولات لاستئناف الحوار في بعض المستويات، إلا أن العقبات كبيرة:
 استمرار الصراع في أوكرانيا: طالما استمر هذا الصراع، فمن المرجح أن تظل العلاقات متوترة.
 عدم الثقة المتبادلة: بين البلدين على أعلى المستويات.
 المعارضة السياسية الداخلية: في كلا البلدين لأي تنازلات تجاه الطرف الآخر.
  العلاقات الروسية الصينية المتنامية: قد تجعل روسيا أقل استعدادًا لتقديم تنازلات لواشنطن.
ومع ذلك، هناك إدراك مشترك بأهمية تجنب المواجهة المباشرة، خاصة بالنظر إلى القدرات النووية لكلا البلدين. لذلك، من المتوقع أن تستمر محاولات إدارة الخلافات والبحث عن مجالات للتعاون حيث تتداخل المصالح (مثل مكافحة الإرهاب أو الاستقرار الاستراتيجي)، وإن كان ذلك بحذر شديد وبخطوات صغيرة وواقعية
وفي نهاية التحقيق يمكن وصف العلاقة بين أمريكا وروسيا بأنها علاقة "إدارة تنافس" بدلاً من "شراكة استراتيجية"، حيث يسعى كل طرف إلى تحقيق مصالحه مع تجنب التصعيد غير المقصود، مع الإبقاء على قنوات الاتصال مفتوحة لمعالجة القضايا الملحة